الأخبار

واشنطن بوست: ثورة أوروبية جديدة ضد أنجيلا ميركل

في الأيام العشرة الماضية، كانت السياسات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي تشبه إلى حد كبير التحزب المرير في الولايات المتحدة، حيث تحول اجتماع القادة الأوروبيين إلى مواجهة مثيرة للجدل استمرت خمس ساعات، وانتهت بالتسريبات العنيفة والمتفجرة، وبدأت تملأ الصحف الأوروبية الخطابات الساخنة والإعلانات السياسية السلبية والنداءات العامة المتحمسة والإشارات المريرة للحرب.
وقالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في تقرير لها إن الشرارة التي أشعلت هذا الحريق كانت اقتراحاً من تسعة دول من الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وذلك للمضي قدمًا فيما يسمى بسندات الفيروسات التاجية (كورونا بوند)، والتي من شأنها تمكين الاتحاد الأوروبي، وتعزيز اقتصادها في ظل هذه الأزمة. وقد عارضت المبادرة على الفور قبل كل شيء دول شمال أوروبا، بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي.
للوهلة الأولى، يبدو هذا الخلاف حول السندات غامضًا. لكن هذا في الواقع صراع على مستقبل أوروبا. فلقد وجه اقتراح السندات الأوروبية المشتركة ضربة في صميم ما هو هدف الاتحاد الأوروبي بالأساس.
وعلى دول الاتحاد الأوروبي جمعاء تحمل عبء سندات الدين التي تكبدتها الدول الأوروبية كل دولة على حدا لمحاربة هذه الأزمة وجعلها مسؤولية أوروبية جماعية.
إن قضية السندات لها آثار واسعة النطاق: المضي قدمًا فيها سيستتبع زيادة هائلة في قوة الاتحاد الفيدرالي. ويصف جاكوب فونك كيركيجارد من معهد بيترسون بأنها “لحظة هاميلتون في أوروبا”، في إشارة إلى قرار الحكومة الفيدرالية الأمريكية الشابة عام 1790 بتحمل جميع الديون التي تكبدتها المستعمرات الفردية خلال حرب الاستقلال. كانت هذه خطوة حاسمة نحو إنشاء حكومة مركزية قوية في واشنطن.
خطوة تلك البلدان التسعة من أجل الاتحاد الأوروبي المشترك، حيث كانت السندات في الواقع ثورة ضد الوضع الراهن في أوروبا. لذلك كان في صميمها ثورة ضد أنجيلا ميركل والعقد الماضي من التقشف في أوروبا.
وعلى الرغم من إشادة صحيفة فاينانشال تايمز بنهج أنجيلا ميركل تجاه جائحة الفيروس التاجي محليًا وأوضحت دوليًا أنها أصبحت “رمزًا للقيم الليبرالية الغربية التي استهزأ بها القوميون مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.
ولكن العديد من الأوروبيين يرون ذلك النهج بشكل مختلف. أنجيلا ميركل هي أيضًا مهندس عقد من التقشف المدمر الذي تسبب في دمار اقتصادي وحرمان في معظم أنحاء القارة. وقد ساعد ذلك على تغذية صعود الحركات الشعبوية اليمينية.
وكشفت الأزمة الاقتصادية عام 2008 أن لدى العملة الأوروبية الجديدة (اليورو) عيب في التصميم. وعلى الرغم من أنه كان لدى الاتحاد الأوروبي سياسة نقدية مشتركة مع بنكها المركزي الخاص بها، إلا أنها كانت تفتقر إلى سياسة مالية مشتركة، وبالتالي، لم يكن بوسعهم تطبيق نوع من إجراءات التحفيز المالي الجريئة التي شهدتها الولايات المتحدة والصين. كان يمكن لأنجيلا ميركل أن تضغط من أجل ذلك. وبدلاً من ذلك طالبت بالتقشف.
عندما انهار الاقتصاد اليوناني، وكان يتأرجح على حافة التخلف عن السداد في عام 2009، ألقت أنجيلا ميركل محاضرة عن التبذير في دول جنوب أوروبا. حولت ما كانت أزمة يمكن التحكم فيها إلى صدمة قاسية لاقتصادات أوروبا، وعانت اليونان من ركود اقتصادي. وشهدت إسبانيا ارتفاع في البطالة وصل إلى 25 في المائة، وزاد عبء ديون إيطاليا إلى مستويات قياسية.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عندما أصبحت كارثة التقشف واضحة، سعى القادة السياسيون الأوروبيون إلى الإصلاح، ودفعوا لتعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على تحفيز النمو، حيث كان انتخاب إيمانويل ماكرون في فرنسا عام 2017 نقطة تحول، والذي عرض اقتراحات كثيرة، ولكن أنجيلا ميركل رفضتهم جميعاً.
ربما تعلمت دول الاتحاد الأوروبي بعض الدروس مع اندلاع أزمة الفيروس التاجي، حيث علقت قواعد العجز الصارمة. وأعلن البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من حدوث خطأ أولي قصير، بسرعة عن حزمة الإغاثة الضخمة (في تناقض حاد مع تردده في عام 2008).
ومع ذلك، فيما يتعلق بالسؤال الأكبر حول ما إذا كان ينبغي لأوروبا أن تتحمل المسؤولية المشتركة عن الديون التي تكبدتها في الأزمة، فقد تمسكت أنجيلا ميركل بأسلحتها “كلاً”.
ولكي نكون منصفين، ألمانيا ليست العقبة الوحيدة. الحكومات المحافظة الأخرى مثل هولندا تقف وراءها. لكن أنجيلا ميركل تحمل الوزر الأكبر. إذا تحركت، سوف تتحرك أوروبا. أنجيلا ميركل لديها القوة لتوحيد أوروبا، ووضعها على طريق الانتعاش الاقتصادي، لكنها ترفض.
قلة من القادة الأوروبيين في التاريخ كانت لديهم القوة لتحريك أوروبا ولم يفعلوا سوى القليل. السؤال الآن هو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرًا على النجاة من هذا العناد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى